الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة تكلفة البنزين بلغت قرابة 90 مليونا و150 مليونا للأكل: شبهات بالفساد واهدار المال العام تلاحق مؤسسة التلفزة التونسية

نشر في  13 جويلية 2016  (11:26)

عادت إتهامات الفساد بالتلفزة التونسية لتجوب مجددا أروقة المؤسسة الإعلامية الأولى في البلاد، حيث وجه كاتب عام نقابة الإعلام إتهاما صريحا بذلك عبر تدوينة على صفحته الشخصية في الفايسبوك طالب فيها بكشف التفاصيل المالية للبرمجة الرمضانية متهما الإدارة بمحاباة شركات خاصة للإنتاج بمناسبة إسناد أعمال لها رديئة تكلفتها قليلة جدا مقارنة بأسعار إقتناء مشطة وتجنب تطبيق قانون الصفقات العمومية بحصر تلك الإقتناءات تحت سقف 90 الف دينار ..،

كما نبه السيد محمد السعيدي الى وجود إخلال في التعامل مع إحدى الصفقات التي بث إنتاجها في رمضان دون عقد وجاري تسوية الأمر (حسب مصادرنا تتعلق بالكاميرا الخفية لرؤوف كوكة) بثمن باهظ بعدما تم في السابق تعطيل كاميرا خفية ثانية تكلفتها أقل، ووصف السعيدي العملية بالمسرحية بالإضافة لإتهامات بالتلاعب في الفواتير والمراقبة لأطراف بالمؤسسة.
أما في الأروقة والكواليس فقد إنتشرت خاصة حكايات وقصص سوء التصرف وإهدار المال العام أثناء تنفيذ مسلسل «وردة وكتاب « وهي إتهامات تبقى دون إثباتات وحجة في إنتظار إتخاذ قرار بإجراء تحقيق وتدقيق من خارج المؤسسة لا سيما أن بعض علامات الثراء بدت بصفة مفاجئة على بعض العاملين ممن عرفوا بوضعيتهم المادية المتواضعة.
وفي نفس السياق نذكر أن “أنا يقظ”، ممثّلة منظمة الشفافية العالمية في تونس، طالبت مؤخرا من إدارة مؤسسة التلفزة التونسية الحصول على تكاليف مسلسل «وردة وكتاب»  إضافة لتكاليف برمجة القناة العمومية الأولى والثانية، وذلك في إطار حق النفاذ للمعلومة، الذي نص عليه قانون تونسي مؤخرًا. وقد رفضت إدارة المؤسسة قبول المطلب في مرّة أولى قبل قبوله لاحقًا مع استعانة المنظمة بعدل منفذ.
كما دعت النقابة الأساسية لأعوان الإدارة والإنتاج والتقنيين من ادارة مؤسسة التلفزة التونسية الى فتح تحقيق في الأعمال الرمضانية التي وقع اقتناؤها من خارج المؤسسة ومدى تطابق المبالغ المالية التي دفعت بدل الضغط على المصاريف عبر خصم حقوق العاملين .

وردة وكتاب

إحتراما لمجهود الفريق الفني والتقني من التلفزة الوطنية والممثلين الذين عملوا طيلة أشهر عديدة لإنجاز هذا الطبق الرمضاني لن نعلق على الجانب الفني للعمل خاصة أن الكثيرين تناولوا هذا الجانب وأطنبوا في ذلك .. ولكن معرفتنا بكواليس المؤسسة وبحثنا لدى عديد المصادر داخل التلفزة التونسية وخارجها يدفعنا لدحض عديد المغالطات التي  تم التصريح بها وكشف حقائق أخفي الكثير منها.
ننطلق بميزانية المسلسل التي تمسك مديرها العام بقيمة مليارين و نصف تقريبا مغفلا إحتساب قيمة المعدات والتجهيزات والعمليات التقنية لمدة خمسة أشهر (حافلة تلفزية ثلاث كاميرات ، تركيب ، ميكساج..) بالإضافة لعدم إحتسابه لرواتب الفريق العامل (70 تقريبا) بما أن جلهم موظفون بالتلفزة التونسية وتراوحت مدة عملهم في المسلسل خمسة أشهر لمعظمهم في حين إشتغل قلة منهم مدة وصلت عشرة أشهر بإعتبار مرحلة التحضيرات وما قبل وبعد التصوير لتبلغ بذلك ميزانية العمل ثلاثة مليارات على أقل تقدير وهي قيمة لا تبعد كثيرا على ميزانية ناعورة الهواء 2 (الذي يشمل كل المصاريف المذكورة آنفا بالإضافة لهامش ربح الجهة المنفذة ) ولكنه أنجز على خلاف واقع الحال بتقنيات وتجهيزات عالية الدقة وبنتيجة أفضل من ناحية قبول المشاهدين وأيضا لحصوله على جوائز ..،
من جهة أخرى يجدر التذكير بأن حافلة الفيديو والكاميرات التي إستعملت لتصوير المسلسل هي نفسها التي صور بها في السابق مسلسل صيد الريم من إخراج علي منصور سنة 2008  ورغم المصاعب الإنتاجية وكذلك التقنية (جودةالصورة) التي حصلت آنذاك تمكنت الجهة المنفذة للإنتاج من مجابهتها بتوفير فريق ثان للتصوير وإصلاح ألوان الصورة.. وفاز المسلسل بعديد الجوائز ونافس سنة عرضه على قناة 21 مسلسل مكتوب من إخراج سامي الفهري والذي عرض على قناة تونس 7 ورسخ في ذاكرة المشاهدين كأحد أحسن المسلسلات الإجتماعية...
وتبقى نقطة أخيرة لها من الأهمية ما يكفي ليكون لها تأثيرها الكافي على جودة العمل وهي أن 40 بالمائة من الفريق العامل و خاصة منه الطاقم الفني (فريق الإخراج) يعمل لأول مرة على مسلسل من هذا الحجم، فأحمد رجب يخرج أول مسلسل له بعد إخراج مشترك لسيتكوم دار الخلاعة ومسيرة مهنية طويلة كمساعد مخرج ومدير التصوير يعمل كذلك لأول مرة على مسلسل في إدارة التصوير ونفس الأمر للقيافة والتجميل والسكريبت ومساعدي الإخراج.
ومن المعلومات الاخرى التي بحوزتنا أن تكلفة البنزين على سبيل الذكر بلغت قرابة 90 الف دينار في حين ان فريق المسلسل قام بالتصوير مدة يومين فقط في سيدي بوزيد في حين صورت كل المشاهد الاخرى بالعاصمة وهو ما يطرح نقاط استفهام كبيرة عن هذه الارقام الخيالية، مع العلم أن احد الموظفين وحسب ما اكده شهود عيان قام ببيع قصاصات بنزين لحسابه الخاص ونحتفظ باسمه نظرا لحساسية الموضوع..  دون ان ننسى الحديث عن تكلفة الأكل التي كانت باهظة جدا وبلغت حسب بعض المصادر 150 الف دينار، ومن المبالغ الخيالية التي تم رصدها ما قيمته 5 الاف دينار للمكالمات الهاتفية، اضافة الى شبهات الفساد والتلاعب بالفاتورات في الديكورات..
والغريب في الأمر أنه ورغم هذه المبالغ الخيالية فقد تخلّف المسلسل في ترتيب نسب المشاهدة، ليكون أقلّ الأعمال الدرامية مشاهدة طيلة شهر رمضان.

الكاميرا كاشي..

ومن المعلومات الأخرى التي رصدناها والتي اثارت مؤخرا جدلا واسعا داخل أروقة هذا المرفق العمومي هو ما قيل حول «الكاميرا كاشي»، حيث صرح الرئيس المدير العام للتفزة التونسية منذ مدّة أن  التلفزة عمدت ليلة الأوّل من رمضان الى الاتفاق مع رؤوف كوكة لبث هذا البرنامج دون عقد يربط بينه وبين التلفزة، وان القناة اقتنت الكاميرا كاشي دون مقابل، وعلى عكس هذه التصريحات علمنا من مصادرنا أنه تجرى حاليا محاولات لامضاء عقد بين كوكة والتلفزة الوطنية يتسلم اثره رؤوف كوكة مبلغا ماليا قدّر ب98 ألف دينار، والحال ان هذا الأمر ممنوع قانونا حيث يجب امضاء العقد قبل البث وليس بعده، كما ان التلفزة كانت مطالبة بالقيام بمناقصة ثم استشارة قانونية لاختيار العمل الافضل والاقل تكلفة وليس المرور مباشرة الى التسوية ـ بمعني امضاء العقد بث البث ـ وهو ما يمنعه القانون..
ومن الحيل الاخرى التي تم الاعتماد عليها حسب ما أسرت لنا  به مصادرنا فان اعتماد مؤسسة التلفزة على مقابل يقدّر ب98 الف دينار هو بهدف عدم المرور الى الصفقات العمومية التي تنطبق على الاعمال الفنية التي يتجاوز سعرها ال100 الف دينار .

الــــنــبـــارة

«النبارة» سلسلة كوميدية فكرة لاكرم الفطناسي وبطولة سفيان الداهش ونوال بن محمد وعمارة المليتي، ورغم كل الانتقادات التي طالت هذه السلسلة التي لا تتجاوز مدة بثها ال3 دقائق، فقد بلغنا ان تكلفتها قدرت بـ90 ألف دينار، وهو مبلغ مبالغ فيه نظرا وان السلسلة لم تلاق اي نجاح يذكر ..

برنامج طبخ خارج البرمجة..

ومن المعلومات الاخرى التي بلغتنا ان مؤسسة التلفزة قامت بانتاج برنامج طبخ تم بثه خلال شهر رمضان قام باخراجه احد المقربين من الرئيس المدير العام، والغريب في الامر ان التصوير تم في سريّة تامة، حيث يتم ادراجه تحت اسم برنامج آخر «تبعني» في ورقة البرمجة اليومية، وهو ما يطرح اكثر من سؤال حول المراقبة و ترافيك الفواتير.

رشاد يونس يتفاعل وادارة التلفزة توضح

وفي اتصال هاتفي مع مدير الاتصال بالتلفزة التونسية افادنا أن ادارة مؤسسة التلفزة التونسية اتخذت اجراء يتمثل في بعث لجنة موسعة تتولى تقييم البرمجة الرمضانية والانتاج الخاص واتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الشان وذلك بعد موجة الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها البرمجة وخاصة الانتاجات الرمضانية للتلفزة التونسية سنة 2016 بقناتيها الوطنيتين الاولى والثانية.
واكد لنا انه واثر عمليات الجرد للحسابات والمصاريف ستقوم ادارة التلفزة بعقد ندوة صحفية تعرض فيها كل نتائج اللجنة، مشيرا الى وجود عديد المغالطات، وان الاتهامات الموجهة للتلفزة الوطنية لا اساس لها من الصحة.
من جهته وردا على كل ما قيل حول  ميزانية وردة وكتاب وبلوغها 3 مليارات قال رئيس مؤسسة التلفزة التونسية رشاد يونس في احد التصريحات الاذاعية إنّها مزايدات لا أساس لها من الصحة، واضاف أن ميزانية «وردة وكتاب» لم تتجاوز 2.3 مليون دينار وهي تكلفة عادية جدا في مجال الإنتاج الدرامي. وقال إنّ أي مقارنة مع الأعمال الأخرى التونسية لا تجوز بالنظر إلى الديكورات وكل ما يتعلق بالإنتاج.
وقال إنّ ميزانية رمضان في هذا الموسم لم تتجاوز 500 ألف دينار دون اعتبار المسلسل، في حين أنّها كانت في حدود مليار ونصف في المواسم السابقة.
واعتبر أنّ هذا الرقم بمنطق الإنتاج هو رقم ضعيف جدا ولا يحتسب، وأشار إلى أنّه لا يمكن العمل  في اطار تنافسي بإمتياز حين يكون العمل من خلال الصفقات العمومية.
قرارات مسقطة وتوجهات مفروضة متضاربة واختيارات فاشلة وسوء تقدير.. محاباة و محسوبية و صراعات داخلية محمومة و تسيير بعيد كل البعد عن التصرف الحسن والحوكمة الرشيدة ذاك حال التلفزة التونسية التي يصر أبناؤها ومسؤولوها على مغالطة أنفسهم قبل مشاهديهم بحجب حقيقة واقعهم الذي زاد سوءا بتغير المشهد السمعي البصري بعد 2011 واشتداد المنافسة مع قطاع خاص لن يرأف بحالهم ويرفض أهدافا يسجلها القطاع العام في مرماه.

إعداد: سناء الماجري